تفصيل
- الصفحات : 281 صفحة،
- سنة الطباعة : 2024،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى ،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-810-3.
يعتبر التصوف من أعرق التجارب الإنسانية، فقد عرفته الحضارات الإنسانية القديمة (الفارسية والهندية) بصور متفاوتة، ولم تكن الحضارة العربية بمنأى عن هذه التجربة الروحية، التي لم تتضح معالمها الفعلية إلا مع نهاية القرن الثاني للهجرة وبداية القرن الثالث للهجرة، فكانت بداياته الأولى دينية محضة، وعلى شكل نزعات فردية تدعو إلى الزهد والتصوف، ثم توسعت معالم هذه الحركة فظهر ما يسمى بالتصوف الفلسفي، الذي يضم تيارات متعددة( التصوف الحلولي، الإشراقي، وحدة الوجود، الفناء في الله، حب الله )، ومصدرها المعرفة المتأتية من الذوق والإلهام الباطني وكذلك الحواس، ولم تبق هذه الحركة حبيسة الفكر والروح، إنما اتخذت من اللغة أداة عكست من خلالها تجاربها الروحية.
وإذا ما سلمنا جدلا بأن للغة مستويين هما: (العادي والأدبي)، فكان المستوى الثاني القادر على احتواء تجربتهم، فعبروا من خلالها عن حالهم و مجاهداتهم الروحية، فظهرت تجارب إبداعية ثرية ومتنوعة شعرًا ونثرًا نلمسها : في مخاطبات النفري، وفتوحات ابن عربي، وحكم ابن عطاء الله السكندري، والمنقذ من الضلال للغزالي، وكتابات الحارث المحاسبي، وأبي يزيد البسطامي، والجنيد، والحكيم الترمذي، والشبلي، والسراج الطوسي، وأبي طالب المكي، وشعر ابن الفارض، والحلاج، و السهروردي، فالمتصوفة يربطون بين اللغة والوجود، وبين العبارة والإشارة، ما جعل لغتهم ذات معجم لغوي خاص إن لم نقل عنها لغة فريدة من نوعها، ثرية بمجازاتها، واسعة في استعمالاتها، لتمتد إلى رحاب الأدب والفلسفة، خاصة مع ظهور التصوف الحلولي وبعده الإشراقي، الذي نجد فيه حقل التجربة الصوفية تجاوز صداها حقل التجربة الصوفية في بعدها الإسلامي.
فهذه التجارب الصوفية كان لها تأثير بالغ على الإبداع الأدبي المنفتح على كل الفنون والعلوم، فثمَّة حضور كثيف للأدب الصوفي في الكتابات الإبداعية الحديثة، وذلك عبر التداخل النصي واتخاذ الأقنعة الصوفية وغير ذلك من التوسلات الفنية؛ فالتجربة الصوفية وفقا لذلك تجربة غنية المبنى عميقة المعنى كثيفة الترميز جريئة الطرح، لا تنتهي عجائبها، ولا تنقضي غرائبها، فقد عملت على توسيع حدود الأدب العربي في جانبيه الشعري والنثري، وفتحت مجالا لتساؤلات عديدة حول الوجود والحياة والبرزخ والطريق، وغيرها من ثيمات التصوف على رحابته، ولما يتمتع به الخطاب الصوفي من سعة في المجاز وتوالد في الألفاظ والمعاني، فهو كتجربة تجاوزت حدود الخيال إلى المعرفي، المرئي واللامرئي، والمفكر فيه واللامفكر فيه، فالتبست فيه الحقيقة بالمجاز والصريح بالمضمر. في الجانب الآخر فإن التجربة الصوفية الواسعة الخصيبة تعتبر من أهم القضايا النقدية التي انشغل بها الفكر العربي الحديث والمعاصر نظراً لمكانة التصوف في البنية التركيبية للثقافة العربية معرفياً وفكرياً ونسقياً، وإدراكهم العميق لخصوصيتها ومدى استجابتها لمتطلبات العصر، وفي كونها ثورة مضامين وأشكال، لفظ ومعنى، وفي ضوء هذه الأهمية انبرى ثلةُ من النقاد المفكرين بتتبع مسار هذه التجربة، ومحاورتها في ضوء ما أفرزته الحداثة الغربية من مناهج قرائية.
ولأن من صميم ما بعد الحداثة الإجهاز على كل ما هو ثابت ومركزي وإيمانها العميق بالمادي على حساب الروحي، وهو ما لا يتفق مع التصوف الذي يبحث عن الجوانب الجوانية، ويعتبرها أساسا هاما في ما تنبني عليه كينونة الإنسان ووجوده، وهو ما شكل سؤالا إشكاليا فرض علينا البحث عن العلاقة القائمة بين ما هو صوفي وما هو بعد حداثي بعيدا عن جدلية الروحي والمادي، والذي يسمى بالتحديث من الداخل، فالرجل الكامل للجيلي هو مثال للرجل الأعلى عند نيتشه، وطروحات مارتن هايدغر تقترب أيما اقتراب من آراء الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، ما جعلنا نطرح عدَة أسئلة نحاول من خلالها البحث عن ما بينه التصوف في علاقته مع باقي الفنون، كالسرد الذي أخذت ملامحه تتشكل وفق رؤية المتصوفة ونظرتهم للوجود، تلك النظرة الإنسانية التي تبحث عن إنسانية الإنسان بعيدا عن شكله وعرقه ودينه، وهو ما نجده في عديد المتون الروائية ما بعد الحداثية، والشعر الذي استقى لغته المجازية من معجم المتصوفة، وطريقتهم في التعبير عن رؤاهم وهواجسهم، ما جعل قصائد ما بعد الحداثة مرآة عاكسة ولو بشكل يسير لأشعار الحلاج والرومي والسهر وردي وغيرهم من سادة التصوف ومريديه.
محاور الكتاب: