تفصيل
- الصفحات : 509 صفحة،
- سنة الطباعة : 2022،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-337-5.
إنّ عالم الرواية لا يعرف الثبات، ولا يقرّ بمنطق الاكتمال، فهو في تجدّد مستمر. تختفي أشكال روائية، وتولد أخرى من رحمها، والرواية العربية الجزائرية على غرار الروايتين العربية والغربية عرفت عبر ارتحالاتها المختلفة مسيرة إبداعية مليئة بالسّمات الدالة على التميّز والتفرّد. تشكلت هذه الظاهرة من خلال احتكاك الرواية المباشر مع إفرازات المجتمع الجزائري الذي شهد ولا يزال يشهد موجة من التغيّرات على جميع الأصعدة.
انفتح الخطاب الروائي العربي الجزائري الجديد على المدّ الحداثي المجدّد الذي اجتاح الساحتين الأدبية والنقدية في الآونة الأخيرة، حيث بدأت الدراسات النقدية تتلمس ظواهر التجديد في الخطاب الروائي العربي الجزائري، وتلقى الضوء على العديد من تجاربه الروائية التي حققت تميّزا ونجاحا باهرين. بدأ خطاب روائي جديد يتشكل وفق متغيّرات الراهن ومعطيات الحداثة، يحمل في طياته خصوصياته التجريب الروائي وآلياته. وهو دافع قوي حمسني لدراسة بعض تلك التجارب الروائية، فرحت اختار منها ثلاث مدوّنات تطبيقية وهي على التوالي:
رواية المخطوطة الشرقية لواسيني الأعرج، ورواية عابر سرير لأحلام مستغانمي، ورواية بوح الرجل القادم من الظلام لإبراهيم سعدي. وهذا لا يعني أنّ باقي المدوّنات لا تستحق الاهتمام، بل هي عالم واسع للقراءة والبحث والتحليل.
إنّ ميزة هذه الدراسة تكمن في انطلاقها من جملة تساؤلات اجتمعت لتشكل إشكالية بارزة مفادها: أين تكمن ملامح التجريب الروائي العربي الجزائري الجديد؟ وما خصوصيته؟ وما مدى تمثّل البنية السردية في المدوّنات المختارة لملامح التجريب الروائي؟ وهل يقتضي التجريب تفكيك البنية السردية فقط؟ وهل مجرّد التمرّد على أساليب السرد في الرواية التقليدية يعد تجريبا؟ وهل عكست النصوص الروائية العربية الجزائرية آليات التجريب الروائي وإستراتيجياته فعلا؟ وما هي منطلقات التجريب الروائي في الرواية العربية الجزائرية، التمسك بالتراث أم الانفتاح على الرواية الجديدة؟ ما هي نتائج التجريب الروائي؟ وهل مساره النجاح أم الإخفاق؟ ماذا حقق تكسير القاعدة في المدوّنات المختارة؟ ما علاقة فعل القراءة بفعل التجريب في الرواية العربية الجزائرية الجديدة؟ وهل الكاتب الجزائري المعاصر مجبر على الخوض في عوالم التجريب الروائي الجديد لتحقيق التميّز، أم هي مجرد استجابة لتطوّر الحاصل في المجالات الثقافية والسياسية والاجتماعية.
ومن أجل الكشف عن ملامح التجريب الروائي في الرواية العربية الجزائرية الجديدة فقد ركزّت على إبراز الجوانب الآتية:
وفيما يخص منهجية الدراسة وهندستها الهيكلية، فقد قُسمت إلى أربع فصول تطبيقية مسبوقة بمدخل نظري يقتضي البحث في مفهوم التجريب الروائي، وكيفية انتقاله من المجال العلمي من المجال الأدبي الروائي. كما بيّن المدخل أسباب ظهور الرواية الجديدة وأهمّ خصائصها الشكلية، وما مدى تأثر الكتاب العرب بها وذلك بتقديم نماذج روائية أخذت على عاتقها تبني مفهوم التجريب الروائي، تتبع تلك النماذج من الأدب العربي عامة والأدب العربية الجزائري خاصة.
وقد وزّعت هذا الطرح على أربعة فصول أساسية حاول كل محور الوقوف عند نموذج روائي عربي جزائري جديد حيث ورد الفصل الأوّل بعنوان “الرواية العربية الجزائرية من التقليد إلى التجديد” حيث عرفت الرواية العربية الجزائرية نقلة نوعية في الآونة الأخيرة، فمن مراحل التأسيس والإرهاصات الأولى إلى مراحل التجديد والتجريب، فازدهرت الحركة الإبداعية الروائية مع نهاية الثمانيات، فتراكمت النصوص الروائية العاكسة من حيث المضمون للأزمة الوطنية، مع الإشارة – في المدخل- إلى دور الرواية العربية النسوية في تتطوّر وإثراء الرواية العربية الجزائرية.
أما باقي الفصول فاتسمت بالجانب التطبيقي، حيث ورد الفصل الثاني بعنوان “التفاعل النصي رواية المخطوطة الشرقية ” للكاتب واسيني، الذي يحاول في إبداعاته الروائية المشهورة مسايرة مستجدات الرواية الجديدة. فكانت الرواية المخطوطة الشرقية مجالا إبداعيا واسعا تفاعلت من خلاله جملة من الخطابات كالخطاب السياسي، والخطاب التراثي، والخطاب الأسطوري التاريخي، والخطاب الديني. تتحكم هذه الخطابات في حركية النص، وتقوم على إستراتيجية نصية تعتمد على تقسيم الرواية إلى أربعة أقسام يحمل كل قسم منها عنوانا فرعيا يضاف إلى العنوان الرئيسي. هذا وقد زخرت الرواية بعوالم الفانتاستيك الذي يحمل كل ما هو غريب وعجيب، حيث يضع الكاتب تلك العوالم كأقنعة يختفي ورائها نقد للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية الراهنة في المجتمع الجزائري.
تناول الفص الثالث في الدراسة والتحليل رواية عابر سرير لأحلام مستغانمي، فكان معنونا: “تكسير الميثاق السردي” حيث عملت الكاتبة على تقديم نموذج روائي جديد يعتمد على زحزحة نظام الرواية التقليدية، فالأسلوب الشعري الذي تغلغل في البنية السردية للرواية أحدث نوعا من الانزياح على مستوى وصف الشخصية الروائية، ووصف البنية الزماكناية. فتنوّعت الشخصيات في الرواية بين شخصيات تاريخية، وشخصيات أسطورية وشخصيات أدبية فنية وأخرى فورية. وفيما يخص الرّاوي فقد حضر بتقنية سردية جديدة، وهي السرد بلغة الذكور، وما يترك ذلك في نفسية المتلقي من انفعالات وأحاسيس جمالية.
ورد الفصل الرابع تحت عنوان “خلخلة المنطق السردي في رواية بوح الرجل القادم من الظلام” لإبراهيم سعدي، فبمنطق الروائي المجدّد قدّم إبراهيم سعد رؤية إبداعية جديدة القالب، أما المضمون فهو من صلب المأساة الوطنية، فبتوظيف نظام التناوب في الحكي يستحضر الكاتب مراحل طفولته في مقاطع سردية تتقاطع مع سرده لحاضر أليم. كما وظّف الكاتب تقنيات سردية جديدة كتقنيتي التصدير والتوطئة والميل إلى توظيف العناوين ذات التراكيب الطويلة، وكلّها آليات جديدة تعمل على لفت انتباه القارئ، واقتناصه أثناء عملية القراءة.
وختمت الدراسة بخاتمة إجمالية، تمّ فيها بيان جملة من الاستنتاجات المتوصل إليها من خلال الدراسة.
وفي ما يخصّ المنهج المطبّق، فمكاشفة موضوع التجريب في الخطاب الروائي العربي الجديد يقبل الانفتاح على أكثر من إجراء نقدي، لذلك فالتركيز على البحث في البنية السردية في النماذج الروائية المختارة، يقتضي تطبيق منجزات السرديات الشكلية كمفاهيم الناقد جيرار جينيت، ومفاهيم كلود بريمون للمحكي الأدبي عند البحث في المنطق السردي، وتوظيف مفاهيم جوليا كريستيفا وجيرار جينيت حول التناص، إضافة إلى أن طبيعة الموضوع المدروس “التجريب الروائي يقتضي –أيضا- ربط البنية الشكلية للنصوص الروائية المختارة بلسياق الاجتماعي والسياسية والثقافي، وهذا بغية البحث عن مواطن التجريب فيها من خلال ما تحدثه جملة التغيّرات الحاصلة في المجتمع الجزائري الحاصلة ممّا استدعى حضور بعض مفاهيم السوسيو نصية فالتجريب الروائي يسير جنبا لجنب مع حركية المجتمعات وتطوّرها.