تفصيل
- الصفحات : 136 صفحة،
- سنة الطباعة : 2019،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الاولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-484-77-6.
الحمد لله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان، وعلم الإنسان البيان،و صلى الله وسلم على نبينا المبلغ الرسالة؛ المخلِّص من الضلالة، أفضل من جادل عن الشريعة بأقوى منطق، وأفصح بيان؛ ففتح الله به أعينًاعميًا، وقلوباً غلفاً، وآذان صمًّا.أما بعد : فإننا نعيش في زمن العولمة التي تحول معها العالم إلى قرية كونية صغيرة، يتراءى الناس فيها ويتسامعون؛ بفضل التقانة التي أتاحت كل أشكال التواصل؛ لذلك لا يجد المرء وصفا أبين وأبلغ لهذا العصر من أن يوصف بأنه عصر التواصل والحجاج؛ بضاعته الدعاوى والحجج الصحيحة منها والباطلة.
لقد غمر الحجاج كل مجالات الحياة، ولم يستثن منها أحدا، وصار الشعار ” لا تواصل من غير حجاج ولا حجاج من غير تواصل”، ولو ارتضيت وصفا- ولست أرتضي-من تلك الأوصاف التي أطلقت على الإنسان تفلسفا وتعسفافي تعريفه؛ لكان أولاها بالقَبولبأنه:”حيوان محاجج”،
نعم إننا نمارس الحجاج في خطبنا الدينية، والسياسية، وفي مفاوضاتنا التجارية، وقصائدنا الشعرية، وفي مرافعاتنا القضائية، ومناظراتنا الفكرية، ومناقشة الرسائل الجامعية، وفي أحاديثنا اليومية، شعرنا بذلك أم لم نشعر؟ سلمنا بذلك أم لم نسلم؟ ومن هنا فلسنا بحاجة إلى إثبات الفعل الحجاجي بقدر ما نحن في حاجة إلى ترشيده، وتعقيله، وتمييز صحيحه من سقيمه، ثم توظيفه في الدفاع عن قضايانا العادلة، ونشر دعوتنا الصحيحة، والتأسيس لمجتمع حواري هادئ
وإني لأعتقد أن أولى الناس بهذه الوظيفة هم النخبة من الباحثين في الجامعات العربية عموما، وفي كليات الآداب وأقسام اللغة العربية خصوصا، فلم يعد الحجاج مرادفا للسفسطة والمغالطة كما كانت عند اليونان؛ وحتى لو كان كذلك لكان تعلمه من فروض الكفاية، وصدق أبو فارس الحمداني إذ يقول:
عرفتُ الشَّرَ لا للشرِ لكنْ لِتَوَقِّيه ومنْ لم يعرفِ الشرَ منَ الناسِ يقعْ فيه.
فكيف وقد صار من أحدث النظريات اللسانية، التي أثبتت فعاليتها في فك مغاليق جوانب كثيرة من الخطاب، وتعقُّل دلالاته العصيَّة، واستكشاف مناطقه القصيَّة.
ومع هذا كله نرى البحث في هذا المجال ما زلا محتشما لم ينل حظه من العناية والرعاية
في جامعاتنا ومدارسنا؛ومن هذا المنطلق جاءت هذه الدراسة لتلمَّ شعث النظرية الحجاجية بَدءامن التشكلات الجنينية الأولى التي نجمت في المجتمع الأثيني الوثني؛ضاربة جذورها إلى منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، إلى أن استقرت كنظرية لسانية تولدت من رحم نظرية الأفعال اللغوية،- وقد تطهرت من رجس السفسطة وآثام المغالطة- التي كانت نواة البحث اللساني التداولي في الربع الأخير من القرن العشرين؛ لتشق طريقها إلى العالم العربي عبر الترجمة والتتلمذ، وقد وجدت ما يسندها في شجرة العلوم العربية القديمة خاصة علمي المناظرة والبلاغة العربية؛ اللذين كانا لها سندا، وكانت لهما بعثا ورِفْدا، فأنبتت في الحقل اللساني العربيفسائلَ في التنظير والتطبيق على الخطابات العربية المختلفة ما فتئت تتكوثر وتزهر يوما بعد يوم.وإني لأرجو أن يكون هذا العمل بُرعما من تلك الفسائل سيؤتي ثمره ولو بعد حين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.